• 5 مايو 2019
  • محرر: الدكتور طارق محمد القرق

إن الإحصائيات الخاصة بمستقبل العمل مخيفة. يهدد التشغيل الألي، والتحول الرقمي، وغيرها من أشكال التكنولوجيا بإزالة ملايين الوظائف، حيث المهارات التي توفر الكثير من الوظائف اليوم سيعفو عنها الزمن بسبب ما يسمى الثورة الصناعية الرابعة، أو "الصناعة 4.0" اختصاراً. وهذا أمر مخيف لاسيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تبلغ معدلات البطالة بين الشباب حوالي %75.

إنني قلق جداً فيما يخص قدرة القوى العاملة العالمية على تحمّل هذا التغيير الجذري. إن الطريقة الوحيدة للمضي قدماً هي الاستثمار بكل شجاعة وقوة في التعليم والتدريب على المهارات بشكل أفضل.

وفقاً لتقرير حديث أعدته شركة ديلويت و"التحالف العالمي للأعمال من أجل التعليم"، سيبحث أرباب العمل في المستقبل عن العمال الذي يتمتعون بأربع أنواع أساسية من المهارات. إن المهارة التقنية هي جزء من هذا المزيج بالتأكيد، بل حتى المهارات النّاعمة مثل الإبداع، وحل المشاكل، والذكاء العاطفي التي ستهيئ الناس لمستقبل العمل المجهول. وستبقى أساسيات جهوزية اليد العاملة - مثل إدارة الوقت وتقديم الذات - تكتسي أهمية كبيرة. وسيكون هناك تركيز أكثر على ريادة الأعمال، حيث اقتصاد الوظائف المؤقتة يجني أرباحاً أعلى ويقدمها للعمال المبتكرين والذين يأخذون زمام المبادرة.

هذه المهارات تصبح أكثر أهمية بشكل متزايد ولكنها غير متوفرة على نطاق واسع، حيث تُظهر دراسة جديدة أنه بحلول عام 2030، سيكون فقط %46 من بين 102 مليون طفل يعيشون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على المسار الصحيح لإكمال الدراسة الثانوية وتعلم المهارات الثانوية الأساسية. ستبقى معدلات الدراسة في المدارس الثانوية ثابتة بنسبة تقدر بـ %40 في كل من لبنان والأردن، وستكون أقل بكثير في سوريا واليمن اللتين مزقتهما الحروب. هناك خلل مزمن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومناطق أخرى من العالم حول ما يحتاجه أرباب العمل وما يقدمه العمال.

التعليم لديه القدرة على تصحيح هذا الخلل. إن الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة المتمثل في ضمان التعليم السليم المنصف والشامل ليس هدفاً تعسفياً، بل إنه ضروري لضمان أن الأطفال والشباب حول العالملا  يلتحقون بالمدارس فقط ، بل أنهم أيضاً يكتسبون المهارات اللازمة لتحضيرهم للثورة الصناعية الرابعة.

إننا لا نستثمر في الوقت الحالي بما يكفي، وهذا قد يكون له عواقب وخيمة، بما في ذلك زيادة عدم المساواة في الدخل والبطالة، حيث سيعتمد العديد من الناس على المساعدات الحكومية أو سينتقلون عبر الحدود كجماعات من المهاجرين الاقتصاديين. هذه التطورات ستُرهق الموارد المالية العامة وستؤدي إلى تأزم الاستقرار السياسي. هناك كُلفة لهذا الامر لا تستطيع الحكومات أو الشركات أو حتى الناس العاديين تحملها.

الاستثمار الأكثر حكمةً، مع عائدات استثمار أفضل وأكبر — هو تزويد كافة الشباب بالمهارات التي يحتاجونها للمشاركة في الاقتصاد المعاصر. وأحد أكبر العوائق أمام تحقيق هذا الهدف هو شُح التمويل الموجه لقطاع التعليم. وحتى لو بذلت البلدان النامية قصارى جهدها لزيادة الموارد المحلية وزادت الدول المانحة من معوناتها المخصصة للتعليم، ستظل هناك فجوة كبيرة في التمويل. إننا بحاجة لحلول مفصلية لتوفير هذا التمويل الضروري.

وأحد هذه الحلول يسمى "التعليم لا يمكن أن ينتظر"، حيث يوفر هذا الصندوق الجديد التعليم لأطفال العالم الأكثر حرماناً الذين يعيشون في حالات الطوارئ. ويتأثر واحد من كل أربعة أطفال في عمر الدراسة حول العالم بالحروب أو الكوارث الطبيعية، حيث العواقب تكون مدمّرة. دعونا لا ننسى أنه قبل إندلاع الصراع في سوريا كانت البلاد تتمتع بالتحاق شامل بالمدارس، كما وصل معدل مهارات القراءة والكتابة لـ %95. أما اليوم، يذهب حوالي نصف الأطفال السوريين اللاجئين فقط إلى المدارس. ورغم الحاجة الملّحة، %2 فقط من المعونات الإنسانية تُخصص لقطاع التعليم. لا يصر صندوق "التعليم لا يمكن أن ينتظر" على زيادة التمويل فقط، بل أيضاً على تحسين التنسيق ووضع التعليم ضمن أولويات الاستجابة خلال الكوارث.

أما الحل الثاني، والذي يسمى "مرفق التمويل الدولي للتعليم"، يعِدُ بأن يكون أكبر استثمار من نوعه في مجال التعليم عبر التاريخ. حيث سيمكّن "المرفق" 200 مليون طفل من الالتحاق بالمدارس والتعلم. ومن خلال التعاون مع البنوك، سيستخدم "المرفق" ضمانات المتبرعين والمنح لتوفير تمويل جديد كافٍ من 5 إلى 10 مليار دولار إضافية في عام 2020 — لجعل التعليم السليم متوفراً للأطفال في شتى أنحاء العالم.

تتطلب هاتان المبادرتان الهامتان تمويلاً للانطلاق وإحداث أثر حقيقي على أرض الواقع. وخلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع المقبل، ستتاح الفرصة للقادة العالميين الإلتزام بتقديم التمويل—   دفعة أولية من المنح البالغة 2 مليار دولار أمريكي التي ستقدم كضمانات لـ "مرفق التمويل الدولي للتعليم" و1.8 مليار دولار ستخصص لصندوق "التعليم لا يمكن أن ينتظر"  حيث ستستطيع الدول المانحة أن تطلق رسالة قوية دعماً للأطفال حول العالم.

بصفتي قائد في مجال العمل الإنساني، وله خبرة طويلة في القطاع الخاص وعلى دراية بتأثير التعليم على الاقتصاد العالمي، أدعو الجميع على اتخاذ إجراء عاجل، لأن الصناعة 4.0 لن تنتظر.

For better web experience, please use the website in portrait mode