• 18 مايو 2021
  • محرر: الدكتور طارق محمد القرق

يٌشكل التعليم جانباً أساسياً من جوانب تمكين المرأة والنهوض بها في شتّى المجالات، إذ يعتبر توفير التعليم للفتيات حقاً مشروعاً وأحد أهم السُّبل الحتمية الكفيلة بمنحها قدرة أكبر على العيش الكريم، ويعتبر أحد الحقوق الأساسية التي نصت عليها كافة الاتفاقيات الدولية. واستنادا لأحدث البيانات المتوفرة من معهد اليونسكو الإحصائي، هناك 130 مليون فتاة لم يلتحقن بالدراسة. ووفقا لبيانات المعهد، فإن 15 مليون فتاة في سن التعليم الأساسي لم يلتحقن مطلقا بالدراسة، ويعيش أكثر من نصفهن في أفريقيا جنوب الصحراء.

ولابد من أن أبدأ هنا من خلال تسليط الضوء على أهمية دور المرأة ومكانتها في المجتمعات. إذ أن إزدهاردولة في العالم يكمن في دور المرأة الفعّال فيها. فالفتاة المتعلمة إما ستلتحق بالعمل أو تكون رائدة أعمال أو ربة منزل. وفي جميع الحالات، وبما أنها متعلمة، ستكون دائماً حريصة على تعليم أطفالها لكي تمنح لهم الفرصة في المستقبل كما منحت لها من قبل. ولأن معظم الأطفال تكون رعايتهم من قبل أمهاتهم، فالأم المتعلمة ستبذل قصارى جهدها لتحفيز أطفالها على التعليم، وبالتالي سيكون لدينا عالم يتميز بوجود أطفال متعلمين في المستقبل، وهذا الفضل يعود غالباً إلى الأم.

فتاة اليوم هي إمراة المستقبل، والفتاة المتعلمة اليوم هي الأم المتعلمة في المستقبل، وبهذه المعادلة يمكننا رؤية أهمية دور المرأة المتعلمة في الارتقاء بالمجتمعات وتنمية بلدها والبشرية ككل.

ومع تفشي وباء كورونا عالمياً، رأينا من دون شك كيف أثرت جائحة كوفيد-19 على التعليم في كل منزل حول العالم، لاسيما تعليم الفتيات، لأن الفتاة التي كانت مهمشة من حيث التعليم في بعض الدول تعرضت لتهميش أكثر، ولم توضع في سلم الأولويات. والقضايا الجوهرية أيضاً مثل التمييز بين الجنسين، والتسرب المدرسي، ومعدلات الالتحاق المنخفضة بالمدرسة كلها في ازدياد من جديد، ناهيك عن آثار الصحة العقلية وحماية الطفل التي نتجت عن إغلاق المدارس لفترات طويلة.

يجب علينا اليوم أن ندرك حقيقة أنه إذا لم نتعامل مع هذه الأزمة التعليمية العالمية كأولوية قصوى أسوة بالأزمة الصحية، فإن جيلاً بأكمله - ليس فقط مجموعة مهمشة من الناس في عدد قليل من البلدان - ولكن جيلاً كاملاً على كوكب الأرض سيتحمل العواقب الوخيمة لعدم تلقيه التعليم السليم. ومن دون شك فإن هذا الأمر مزعج ومخيف للغاية.

ومع الإغلاق التام للمدارس الذي فرضته جائحة كوفيد-19 حول العالم، كانت بعض الدول المتمكنة قادرة على احتواء أزمة التعليم ومعالجتها بأقل ضرر ممكن من خلال الانتقال إلى التعليم عن بعد. ولكن بعض الدول الأخرى التي تعاني أصلا من صعوبات اقتصادية واجتماعية لم تتمكن من مواجهة هذه الأزمة بسبب عدم توفر التكنولوجيا والانترنت للتعلم عن بعد، وقلة مصادر التمويل الكافية للاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية للاتصال، أو عدم وجود الخبرة والكفاءة اللازمة لوضع أطر واستراتيجيات وسياسات تساهم في الحد من تأثير الأزمة.

ومن هنا، إذا لم يتم عالمياً منح تمويل التعليم الاهتمام والأولوية التي يستحقها...وإذا لم يتم التعامل معه بأقصى قدر من الجدية... وإذا لم نتحرك الآن، فإننا سنجد أنفسنا أمام جيل من الأطفال والشباب من دون أمل يلوح لهم في الأفق.

ومن هذا المنطلق، شاركت دبي العطاء في مطلع شهر أبريل من هذه السنة في مؤتمر "قضية الاستثمار التعليمي في الشرق الأوسط" الذي نظمته الشراكة العالمية للتعليم وعقد بالمملكة العربية السعودية، بهدف حشد الدعم المالي من قبل الحكومات وصناديق الدعم الدولية ومنظمات المجتمع المدني لتحقيق المساعي المطلوبة في منح الفتيان والفتيات فرص متكافئة للحصول على التعليم. ولإدراكنا أهمية حل أزمة التعليم العالمية، منحت دبي العطاء 2.5 مليون دولار أمريكي على مدى السنوات الخمس القادمة لدعم الشراكة العالمية للتعليم بهدف مواجهة التحديات المتعلقة بحصول الطلاب على التعليم السليم، وعلى رأسهم الفتيات، من أجل إكمال لتعليمهن وتعزيز مسيرتهن التعليمية وبالتالي إلى تمكينهن. وسيخصص جزء كبير من هذه الأموال نحو برنامج "تسريع تعليم الفتيات" التابع للشراكة العالمية من أجل التعليم، بهدف تذليل العقبات الرئيسية التي تحول دون حصول الفتيات على التعليم.

وتعتز دبي العطاء بتعاونها طويل الأمد مع الشراكة العالمية للتعليم، حيث بدأت هذه الشراكة في عام 2014، و أصبحنا أول مؤسسة غير حكومية تقدم دعماً مالياً لصندوق الشراكة من أجل التعليم، حين تعهدنا بمساهمة مالية بقيمة مليون دولار أمريكي للشراكة العالمية للتعليم. وفي عام 2018، قدمنا تعهداً آخراً بمبلغ مليون دولار أمريكي لدعم محفظة المساواة بين الجنسين الخاصة بالشراكة العالمية للتعليم. وعقب النجاح الذي حققناه من خلال هذا الاستثمار، قامت دولة الإمارات في العام ذاته بتمويل الشراكة العالمية للتعليم بمبلغ 100 مليون دولار أمريكي لمدة ثلاث سنوات لتصبح بذلك أول دولة عربية وإقليمية تقدم التزاماً مالياً للشراكة العالمية للتعليم.

ويعد الدعم المالي الكامل للشراكة العالمية للتعليم أمراً ضرورياً لضمان استمرار الأطفال في البلدان النامية في الحصول على التعليم السليم وفرص التعلم. وعليه يجب أن لا يقتصر الدعم على التمويل المقدم خلال المؤتمر التمويلي للشراكة العالمية للتعليم الذي ستستضيفه بريطانيا في يوليو المقبل، بل يجب أن نواصل الدعوة إلى تمويل التعليم في جميع الفعاليات العالمية الرئيسية، بما في ذلك الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في سنغافورة في أغسطس، واجتماع الجمعية العامة الأمم المتحدة في سبتمبر، وأيضاً في قمة "ريوايرد"(RewirEd)   العالمية للتعليم التي ستنظم ضمن فعاليات إكسبو 2020 دبي من 12 - 14 ديسمبر 2021، وهي ثمرة تعاون بين دبي العطاء وإكسبو 2020 دبي وبالتنسيق الوثيق مع وزارة الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات، حيث ستقود هذه الجهات الفاعلة التعاون العالمي بهدف إعادة صياغة مشهد التعليم من أجل مستقبل مزدهر ومستدام.

إذن فعلينا أن نلتزم جميعاً بمساعدة البلدان على سد الفجوات بين الجنسين من أجل تحقيق نمو اقتصادي وبناء رأس مال بشري. فالمساعدات وحدها لن تكفي لإحداث التغيير المنشود. وسيحدث التغيير عندما يساهم قادة الحكومات والمجتمعات من مختلف أنحاء العالم في أجل ضخ استثمارات ضخمة لتنمية البشرية، وسنسعى جاهدين لإستثمار مواردنا وخبراتنا لجعل هذا الواقع حقيقة.

 

  

For better web experience, please use the website in portrait mode