• 11 نوفمبر 2019
  • محرر: الدكتور طارق محمد القرق

في عام 2018، حفز "عام زايد" مجتمع الإمارات على التمعن في رؤية وإرث الأب المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من خلال الإنجازات العظيمة لدولة الإمارات منذ تأسيسها عام 1971. وكان من الطبيعي أن يعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم أبوظبي "حفظه الله"، أن عام 2019 سيكون "عام التسامح"، بما إن ذلك يرتقي بالتسامح كأهم المكونات التي تعزز الثقافات المختلفة وتساعد على تقدم المجتمعات وازدهار الاقتصاد.

وبهذه الروح بالذات التي غرسها أجدادنا، أنا فخور بأن أقول أن مجتمع الإمارات يشكل مثالاً واضحاً على التسامح، والتماسك، والاحترام، وتقبل الآخر. وقد تجاوز النموذج الذي يمثله هذا المجتمع اختبار الزمن وجعل الإمارات نموذجاً عالمياً للتفاهم والتعاون الثقافي. التسامح ليس مرتبطاً بالاحترام فقط، وإنما يعني أيضاً قبول وتقدير التنوع في ثقافات العالم المختلفة. إنه الحافز الذي يدفع الناس ليفهموا الآخرين ونتقبل الاختلافات بيننا، بحيث يمكننا أن نكمّل بعضنا البعض ونساهم في تحقيق الخير للجميع.

وفيما نستعد لاستقبال العالم في "إكسبو 2020" في دبي خلال أقل من 450 يوماً، سيذكرنا "عام التسامح" بأن الأمم القائمة على قيم التسامح والحب والاحترام، هي الأمم القادرة على تحقيق السلام والأمان والاستقرار في مسيرة التنمية على المدى الطويل. وفي الواقع هناك 192 بلداً أكد مشاركته في هذا الحدث العالمي، ما يجعلها الدورة الأكثر شمولاً وعالميةً لمعرض "إكسبو" على الإطلاق، وانعكاساً حقيقياً لدور الإمارات العربية المتحدة في الجمع بين الأمم تحت مظلة واحدة لتعزيز السلام عبر التبادل الثقافي والتجاري. كما أظهرت حكومة الإمارات عزمها على استخدام التعليم كوسيلة لتدريس الفضائل ونشر قيم التسامح بين الشباب وأجيال المستقبل، بهدف إنشاء مجتمعات متسامحة وتعزيز السلام العالمي.

يزداد المجتمع تنوعاً بشكل واضح، ولم يسبق أن كان السفر حول العالم، أو العمل في الخارج، أو حتى العيش في بلدٍ أجنبي لفترات طويلة بهذه السهولة. وتنشئ مجموعات المهاجرين الصغرى ببطءٍ نظام دعمٍ لمجتمعهم كي ينمو ويتحول إلى جالية كبيرة تزدهر على مدى الأجيال. ويصبح بعضهم جزءاً من البلد المضيف إلى درجة أنهم لا يرغبون بالعودة إلى وطنهم.

وتعتبر الإمارات العربية المتحدة بلداً مضيافاً بهذا المعنى. ففي إمارة دبي العام الماضي، قُدّرت نسبة الوافدين من مختلف أنحاء العالم بحوالي 92% من السكان البالغ عددهم 3.2 مليون نسمة. وكنتيجة لاستقطاب أكثر من 200 جنسية، نعيش في مجتمع شديد التنوع، حيث يمكن أن يحتوي الفصل الدراسي الواحد أطفالاً من 10 جنسيات مختلفة. وكان على النظام التعليمي التأقلم بشكل ملائم ليضمن قدرة الأطفال من مختلف الخلفيات الثقافية على التعايش سوية في الفصل والاستفادة من المواد التعليمية ذات الصلة بالجميع، مع الحفاظ على خصائص دولة الإمارات المحلية.

ومن خلال تعليم الاحترام في المدارس، يرى التربويون أن التعليم يتركز ببساطة حول زرع قيم معينة. ولكن تعليم الاحترام لا يمهد بالضرورة الطريق للتسامح، فالاحترام، تعريفاً، هو التقدير الكبير لشخص أو شيءٍ ما نؤمن أنه أرفع مستوىً، ولكن ذلك لا ينطبق على الأشخاص الذي يقفون على الطرف النقيض. وعند وجود تباين حاد، يعبّر التسامح عن القدرة على تحمل وتقبل شيء مختلف قد لا نتفق معه. الاختلاف صادم لأن الاحترام يتطلب المعرفة والآراء الملائمة، فيما إن المهارات الأساسية بالنسبة للتسامح هي، في الواقع، التفريق بين الحقائق والآراء. ويتطلب التسامح تفكيراً نقدياً، وحل المشاكل المعقدة، وأحياناً بعض الإبداع، ودائماً بعض الذكاء العاطفي. إنه أمر أكثر تعقيداً من الاحترام، ولكنه جوهري لأنه يجعل الأطفال يفكرون بشكل مختلف، ولأنه توجه أكثر شمولاً بكثير بالنسبة للمجتمع، خصوصاً تجاه أعضاء المجتمع الذين يواجهون مصاعب تمنعهم من المنافسة واكتساب احترام الآخرين.

التعليم ينشر التسامح ويعزز الروابط التي تتماسك بفضلها المجتمعات المسالمة. وقد بذلت حكومة الإمارات جهوداً دؤوبة لنشر قيم التسامح منذ تعيين وزير دولة للتسامح في عام 2016، ووزير للتسامح في عام 2017، واللذين يقدمان مقترحات لسياسات ومبادرات تشجع على التفاهم الثقافي وتوفر الفرص بالتساوي وبلا تحيّز. وفي وقت سابق من هذا العام، شهدت أبوظبي أول زيارة للبابا فرانسيس إلى الشرق الأوسط وسط ترحيب كبير من غير المسلمين والمسلمين على حد سواء، وترأس البابا لالقداس البابوي التاريخي االذي أقيم في الهواء الطلق. وتزامناً مع اليوم العالمي للتسامح في 16 نوفمبر ضمن خطوة تمثل حجز زاوية لأسبوع التسامح، ستستضيف دبي الدورة الثانية من قمة التسامح العالمية في نوفمبر، وهو حدث يجمع قادة الحكومات، والشخصيات المؤثرة من القطاعين العام والخاص، وسفراء السلام، وصناع التغيير من مختلف أنحاء العالم لمناقشة أهمية التسامح، والسلام، والمساواة، والاحتفاء بالتنوع.

التسامح قيمة جوهرية وسمة أساسية لنسيجنا الاجتماعي. وفي مجال التعليم فإن ذلك يعني ضمان عدم التمييز لصالح أحد الجنسين وأن يتمتع أصحاب الهمم بذات الفرص المتوفرة لبقية الأطفال، سواء من ناحية الدراسات الأكاديمية أو الأنشطة الرياضية. تشكل المدارس في دولة الإمارات انعكاساً مذهلاً لطبيعة مجتمعنا؛ حيث يتعرف الأطفال على ثقافات وتقاليد بعضهم البعض في سياق تعليمي وترفيهي، ويتعلمون أثناء هذه العملية أننا جميعاً لا نختلف عن بعضنا البعض، وأننا جميعاً نملك ذات التطلعات. إنه أمر جوهري أن يقبل أعضاء المجتمع هذا الواقع منذ عمر مبكرة وضمن بيئة حاضنة بعناية.

تعمل دبي العطاء بذات الدافع في كل مبادراتها، سواء عبر دعمها للأطفال والشباب المحتاجين في البلدان النامية، أو أصحاب الهمم في الإمارات وخارجها، إذ تساهم برامجنا التعليمية في تحقيق الاستقرار، والازدهار، والسلام العالمي. كما تجمع مبادرات المشاركة المجتمعية الخاصة بنا، مثل المسيرة من أجل التعليم، والتطوع في الإمارات، والتطوع حول العالم، آلاف المتطوعين من مجتمع الإمارات وتمثل دليلاً بارزاً عن الشمول والتعاون. ويقدم هذا الالتزام المحلي تجاه القضايا الإنسانية صورة إيجابية أصيلة عن الإمارات عالمياً، ويعبر عن التزام دولتنا بالسلام والاستقرار في العالم، والتي تعتبر جميعاً مساهمات هامة  التنمية المستدامة.

رسخت دولة الإمارات العربية المتحدة مكانتها كقوة رائدة في الترويج للتسامح عبر مختلف طبقات مجتمعها المتنوع ومتعدد الثقافات بشكل مذهل، كما إنها لا تدخر جهداً في مضاعفة وتنويع مبادراتها الخاصة بنشر الوعي والحفاظ على مشاركة والتزام مجتمعها بهذه القضية. تفتخر دبي العطاء بمشاركتها ومساهمتها في هذا التقدم المجتمعي الذي سيستفيد منهه في النهاية جميع سكان الإمارات وبقية العالم. ويمكن للتسامح أن يصبح قيمة عالمية أصيلة، يتبناها الجميع، ولكن العالم كما نعرفه اليوم بحاجة للتغيير. لذلك، فلنعلّم جميع أبنائنا ونضمن أن يكون لديهم ما يحتاجونه ليشكلوا أساساً لهذا التغيير المطلوب.

 

For better web experience, please use the website in portrait mode